
محمد علوش - 11-12-2025
بدا ما قاله السفير الأميركي ميشال عيسى من عين التينة رداً على سؤال حول الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان وكأنه إعلان غير مباشر عن صيغة جديدة للتعامل مع بيروت، تقوم على أساس وجود تفاوض مع "الدولة"، وحرب مفتوحة ضد طرف لبناني يُوضع خارج هذا التعريف الرسمي للوطن.
العبارة عن التفريق بين المفاوضات مع الحكومة والحرب على حزب الله، كأنها تقول بوضوح إن هناك لبناناً يُسمح له بالجلوس إلى الطاولة، وآخر يُترك تحت النار، ومن هنا، لم يعد السؤال محصوراً في نيّات الخارج، بل في ما إذا كان الداخل اللبناني مستعداً، عن قصد أو عن غير قصد، للقبول بهذه المعادلة الخطيرة التي تُقسّم السيادة، وتحوّل الحرب من عدوان على وطن كامل إلى "ملف أمني" مع فصيل يمكن عزله عن الجغرافيا والهوية اللبنانية.
في ظاهر الكلام الأميركي، تبدو العبارة بحسب مصادر سياسية شيعية بارزة كأنها محاولة لطمأنة الدولة اللبنانية من خلال القول، حرب هنا، تفاوض هناك، ورسم خط فصل واضح بين "الدولة" ككيان وبين حزبٍ يوضع في خانة الهدف العسكري المفتوح الى جانب بيئته وأرضه.
عندما تحدّث رئيس الجمهورية عن إدخال موفد "مدني" إلى مسار التفاوض، كوسيلة تساهم بحماية مؤسسات الدولة ومراكزها عن أي تصعيد أو حرب إسرائيلية، أراد التعبير عن منطق جديد يحاول الاميركيون تثبيته، فالسفير الأميركي لم يظهر فجأة بهذا التقسيم، بل عبّر عمّا يُنجز بهدوء منذ فترة، من محاولة فصل المسارات اللبنانية إلى قناتين، قناة رسمية، وقناة ميدانية تُدار بالنار مع حزب الله وبيئته، تحت عنوان الردع والأمن والحدود، وترى المصادر عبر "النشرة" أن أحداً لا يمكنه تمني تعرض "الدولة" للاعتداءات الإسرائيلية، ولكن هذا التقسيم يكمن في اعتبار بيئة لبنانية كاملة أن "دولتها" تبحث عن حماية نفسها من خلال فصلها عنها.
لكن رغم ذلك، هل يفتح هذا التوصيف الباب أمام "تفاوضين" أيضاً، واحد مع الدولة، وواحد مع الحزب والمقاومة؟.
نظرياً، كلام السفير الأميركي يفتح الباب أمام هذه الفرضية، لكنه لا يقدّمها كصيغة معلنة بل كمسار مُحتمل، بحيث يكون التفاوض مع "الدولة" على الشكل السياسي، والتفاوض غير المباشر مع "الخصم" على الجوهر السياسي والأمني في آن.
هذا المسار لا يعني بالضرورة أن الحزب سيجلس إلى طاولة تفاوض مستقلة ومعلنة، بل أن واقعاً تفاوضياً موازياً قد يتشكّل فرضاً، فأين يكون رئيس المجلس النيابي في هذا التفاوض، وهو الذي يشكل جزءاً من الدولة، والمفاوض الأول عن الحزب؟ وهل يكون هو من يقود هذا التفاوض، مع الأميركيين تحديداً، علماً أن للأميركيين تجربة سابقة في هذا الخصوص مع حركة حماس، وقبلها مع الحوثيين في اليمن
بالمعنى السياسي للكلام، لا يمكن تقبل فكرة فصل شريحة واسعة من اللبنانيين عن "الدولة" وهم جزء أساسي منها وفيها، إذ كيف يمكن الحديث عن الفصل بين الدولة وحزب الله من جهة، ومن جهة أخرى الادعاء بأن المفاوضات الجارية تهدف إلى حماية لبنان؟ أي لبنان هو المقصود؟ هل هو لبنان المكاتب والمؤسسات والواجهات الدبلوماسية؟ أم لبنان القرى المحروقة، والحدود المنتهكة، والسماء المفتوحة للطائرات المعادية؟.